البيع بالتقسيط :
ويُقصدُ به : أن يبيع الرجل السلعة على أن يكون الثمن مؤجلاً ، ويدفعه على أقساط معلومة القدر والوقت ، مع زيادة في السعر مقابل التأجيل.
مشروعية تأجيل الدين :
يجوز أن يكون الثمن دينا ومؤجلاً ، وهذا ثابت بالكتاب ، والسنة ، وإجماع العلماء.
أما الكتاب :
فقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) [البقرة : 282]
فهذه الآية ، وإن كانت لا تدل على جواز تأجيل سائر الديون ، إلا أنها تدل على أن من الديون ما يكون مؤجلا ، وهو ما نقصده هنا من الاستدلال بها على مشروعية الأجل .
أما السنة :
عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتِ : اشْتَرَى رَسُولُ اللَّهِ r مِنْ يَهُودِىٍّ طَعَامًا وَرَهَنَهُ دِرْعًا مِنْ حَدِيدٍ([1]). فهذا الحديث يدل على جواز كون الثمن ديناً.
أما الإجماع :
فقال ابن بطال رحمه الله تعليقًا على الحديث : ولا خلاف بين أهل العلم أنه يجوز شراء الطعام بثمن معلوم إلى أجل معلوم([2]).
وقال ابن المنذر رحمه الله : أجمع كل من نحفظ عنه من علماء الأمصار على أن استقراض الدنانير ، والدراهم ، والحنطة ، والشعير ، والتمر ، والزبيب ، وكل ما له مثل من سائر الأطعمة المكيل منها والموزون جائز.([3])
زيادة السعر نظير الأجل :
حديث ( نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن بيعتين في بيعة) قد فسره العلماء بتفسيرين أحدهما : أن يقول :
بعتك هذه السيارة بثلاثين ألفاً إلى سنة ، وبخمس وعشرين ألفاً نقدا.
فكما ترى في المثال ، أنه جعل سعر السيارة أكثر نظير تأجيل السداد إلى سنة .
خلاصة قول العلماء في هذه المسألة :
أنهم إن افترقا دون تحديد سعر فالبيع باطل.
أما إن افترقا وقد اتفقا على أحد السعرين سواء كان المؤجل أو العاجل ، فالبيع صحيح اتفاقاً.
وفي هذا قال البغوي رحمه الله([4]): أما إذا قطع معه على أحد الأمرين في المجلس ، فهو صحيح به لا خلاف فيه ، وما سوى ذلك لغو.انتهى.
فمعنى هذا أن زيادة السعر نظير الأجل جائز باتفاق العلماء.
وذلك لعموم الأدلة القاضية بجواز البيع . قال الله تعالى (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) (البقرة : 275) وهو عام في إباحة سائر البياعات إلا ما خص بدليل ، ولا يوجد دليل يخصص هذا العموم.
وذكر الشوكاني رحمه الله :
أن زين العابدين بن علي ، والناصر ، والمنصور بالله ، والهادوية ، والإمام يحيى ، قالوا بحرمة بيع الشيء بأكثر من سعر يومه لأجل النساء (تأخير السداد)([5])
- ومن الصور المحرمة لزيادة السعر نظير تأجيل السداد ، هي :
أن ينعقد البيع على ثمن حال (أي يدفع فورا) ثم طلب المشتري تأجيله أو تقسيطه ، ووافق البائع على ذلك بشرط زيادة في السعر ، فإن تلك الزيادة تكون ربا وهي حرام ولا عبرة بتسمية الزيادة فائدة أو اسمًا آخر فأن العبرة بالمعاني لا بالمسميات .
وصورة أخرى : تتمثل في أن يحل أجل السداد ، ويتعسر المديون في السداد ، فيطلب مهلة من الدائن للسداد على أن يزيد في قدر دينه ، أو يشترط ذلك الدائن نفسه ، وهذا من الربا المحرم ، لأنه يدخل تحت قاعدة ربا الجاهلية ، إما أن تقضي أو تربي.
- جواز كون الدين على أقساط :
قال ابن عابدين في حاشيته : ومنها – أي جهالة الأجل – اشتراط أن يعطيه الثمن على التفاريق أو كل أسبوع البعض ، فإن لم يشترط في البيع بل ذكر بعده لم يفسد وكان له أخذ الكل جملة([6]).
فظاهر عبارة ابن عابدين هذه وهي من العبارات النادرة في هذه المسألة أن دفع الثمن على التفاريق (التقسيط) يصح إذا شرط في البيع أو بعده .
والذي أراه أن هذه من الشروط والاتفاقات المباحة ، يحكمها قول النبي r «الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلاَّ شَرْطًا حَرَّمَ حَلاَلاً أَوْ شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا»([7])
ولا نرى في اتفاق المتبايعين على تفريق الثمن لآجال معدودة ومعلومة أي شبهة ، بل هو من التيسير الذي حث عليه النبي r حين قال «رَحِمَ اللَّهُ رَجُلاً سَمْحًا إِذَا بَاعَ ، وَإِذَا اشْتَرَى ، وَإِذَا اقْتَضَى»([8])
وكل من المتعاقدين ملزم بالوفاء بما تعهد به كاملاً لأنه مأمور بذلك ([9]).
تعجيل أداء الدين مقابل إسقاط جزء منه
إذا تقرر جواز تأجيل الدين أقساطًا أو قسطًا واحدًا فهل يجوز تعجيل قضاء الدين مقابل إسقاط بعضه فيقول المدين للدائن : ضع بعض دينك وتعجل الباقي ، أو يقول الدائن للمدين : عجل لي بعضه وأضع عنك باقيه ؟
هذه المسألة بحثها الفقهاء تحت قاعدة ( ضع وتعجل ) .
وخلاصتها أن هذه المعاملة محرمة شرعا ، وأنها باب من أبواب الربا وأكل أموال الناس بالباطل.
نعم إن طابت نفس صاحب الدين وأسقط من تلقاء نفسه جزءاً من الدين مقابل تعجيل السداد ، دون اشتراط مسبق ، كان ذلك جائزا ومن باب المعروف.
قرار مجمع الفقه الإسلامي :
إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي المنعقد في دورة مؤتمره السادس بجدة في المملكة العربية السعودية ([10]):
بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع : (البيع بالتقسيط) واستماعه للمناقشات التي دارت حوله .
قرر :
1- تجوز الزيادة في الثمن المؤجل عن الثمن الحالّ كما يجوز ذكر ثمن المبيع نقدًا وثمنه بالأقساط لمدد معلومة ولا يصح البيع إلا إذا جزم العاقدان بالنقد أو التأجيل فإن وقع البيع مع التردد بين النقد والتأجيل بأن لم يحصل الاتفاق الجازم على ثمن واحد محدد فهو غير جائز شرعًا .
2- لا يجوز شرعًا في بيع الأجل التنصيص في العقد على فوائد التقسيط مفصولة عن الثمن الحالّ بحيث ترتبط بالأجل سواء اتفق العاقدان على نسبة الفائدة أم ربطاها بالفائدة السائدة .
3- إذا تأخر المشتري المدين في دفع الأقساط عن الموعد المحدد فلا يجوز إلزامه أي زيادة على الدين بشرط سابق أو بدون شرط ، لأن ذلك ربا محرم .
4- يحرم على المدين المليء أن يماطل في أداء ما حل من الأقساط ومع ذلك لا يجوز شرعًا اشتراط التعويض في حالة التأخر عن الأداء .
5- يجوز شرعًا أن يشترط البائع بالأجل حلول الأقساط قبل مواعيدها عند تأخر المدين عن أداء بعضها ما دام المدين قد رضي بهذا الشرط عند التعاقد .
6- لا حق للبائع في الاحتفاظ بملكية المبيع بعد البيع ، ولكن يجوز للبائع أن يشترط على المشتري رهن المبيع عنده لضمان حقه في استيفاء الأقساط المؤجلة.انتهى.
عدم جواز بيع الذهب بالتقسيط أو الأجل :
لا يجوز بيع الذهب بالذهب ، ولا الفضة بالفضة إلا بشروط التساوي والحلول والتقابض ، سواء كان العوضان من التبر أو المصاغ أو أحدهما تبرا والآخر مصاغا.
وهذا لاشتراكهما في علة الربا وهي الثمنية ، مع اتحاد الجنس بكونهما غما ذهب أو فضة.
أما إذا تم بيع الذهب بالعملة الورقية :
فلأنهما يشتركان في العلة وهي الثمنية ، ويختلفان في الجنس ، فيجب التقابض في المجلس ، ويجوز التفاضل .
فعلى هذا من اشترى مائة جرام من الذهب بعشرين ألف جنيه مثلاً ، لابد له قبل أن ينصرف من محل الذهب أن يدفع العشرين ألفاً ، ويأخذ الذهب قبل أن يخرج ، فإن كان معه مثلا تسعة عشر ألفا من الجنيهات ، فلا يجوز له أن يقول للصائغ : أنا آتيك به غدا مثلاً ، أو أقسط لك المبلغ المتبقي على شهرين فهذا كله لا يجوز ويدخل في ربا الصرف.
فقد جاء إلى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء السؤال التالي:
إذا باع إنسان مصاغا من الذهب لآخر، وليس مع المشتري بعض القيمة أو كل القيمة، ولا بعد أيام أو شهر أو شهرين، فهل هذا جائز أو لا؟
الجواب :
إذا كان الثمن الذي اشترى به مصاغ الذهب ذهبا أو فضة أو ما يقوم مقامهما من الأوراق النقدية أو مستنداتها لم يجز، بل هو حرام؛ لما فيه من ربا النسأ ، وإن كان الشراء بعروض كقماش أو طعام أو نحوهما جاز تأخير الثمن([11]). وبالله التوفيق وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــ
[1] ) (صحيح) البخاري [2088] مسلم [1603] اللفظ لمسلم.
[2] ) شرح ابن بطال لصحيح البخاري [ج6 - ص321]
[3] ) الأوسط لابن المنذر [ج10 – ص406]
[4] ) شرح السنة للبغوي [ج8-ص 143]
[5] ) نيل الأوطار للشوكاني [ج5 – ص152] ط دار الحديث.
[6] ) حاشية ابن عابدين[ج4-ص 531] والبحر الرائق [ج5–ص 302] به نفس عبارة ابن عابدين.
[7] ) (سنده حسن) أبو داود [3596] الترمذي [1352]
[8] ) (صحيح) البخاري [1970]
[9] ) انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد (6) بحث للدكتور / محمد عطا السيد.
[10] ) المنعقد من 17 إلى 23 شعبان 1410 هـ الموافق 14-20 آذار ( مارس ) 1990 م . انظر مجلة مجمع الفقه الإسلامي عدد (6)
11) السؤال الثاني من الفتوى رقم [1599] فتاوى اللجنة [ج13 - ص466]
--------------------------------------------------------------------------------
][quote][b]