الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله ، وبعد :
فهذه جمل مختصرة في بيان فقه الغسل ، نعرضها على النحو التالي :
فروض الغسل :
1- النية :
لعموم قوله صلى الله عليه وسلم:" إنما الأعمال بالنيات"
فعلى من وجب عليه الغسل أن ينوي، الغسل من الجنابة، أو فرض الغسل، أو استباحة ما لا يستباح إلا بالغسل، كالصلاة وغيرها.
فإذا نوى هذا، فقد رُفِعَ حدثه الأكبر، وحدثه الأصغر من باب أولى، فمن اغتسل بالنية السابقة فله أن يفعل كل ما يحتاج إلى رفع حدثه من صلاة وقراءة قرآن دون إعادة الوضوء بعد غسله.
- واعلم أنه لو نوى غسل الجمعة مثلاً وهو جنب لم ترتفع جنابته، لأن غسل الجمعة سنة، وغسل الجنابة واجب فلا يصح الواجب بنية الفرض.
والحائض يجب أن تنوي رفع حدث الحيض ولا تنوي غيره والنفساء مثلها. ونؤكد أن النية محلها القلب ولا يُتلفظ بها.
- أما إزالة النجاسة الموجودة على البدن حين الغسل :
ليست من فروض الغسل بل هي من شروطه ، فيجب إزالة النجاسة العينية (التي لها جرم) عن البدن أولاً.
فإن اغتسل وهي على بدنه ، طهر بدنه من النجاسة ، وارتفع حدثه بإذن الله. وسواء كانت إزالة النجاسة شرط أم واجب، فلابد من إزالتها حتى يصح الغسل.
2- إيصال الماء إلى جميع الشعر والبشرة.
بمعنى أنه يجب إيصال الماء إلى كل جزء من أجزاء الجسم، وأن يعم جميع الشعر سواء كان كثيفاً، أو خفيفاً، شعر الرأس أو اللحية أو البدن.
وهذا لصحة الأحاديث الدالة على أن النبي كان يفيض الماء على سائر جسده، ويغرف غرفة يخلل بها أصول شعره من رأسه ولحيته.
فعن جبير بن مطعم قال: تذاكرنا غسل الجنابة عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أما أنا فآخذ ملء كفي ثلاثا فأصب على رأسي ثم أفيضه بعد على سائر جسدي" رواه أحمد بسند صحيح.
أما القول بأن المضمة والاستنشاق واجبان فهذا غير صحيح لحديث جبير بن مطعم السابق فليس فيه ذكر للمضمضة أو الاستنشاق
إذا كان للمرأة ضفيرة فهل يجب عليها نقضها(حلها)؟
يجب حل الضفائر إذا كانت مشدودة بحيث لا يصل الماء إلى جميع الشعر، لأن إيصال الماء واجب إلى جميع الشعر.
أما إن كان يمكن وصول الماء إليه بدون حل، وضعت المرأة عليه ثلاث حثيات من ماء: لقول النبي لعائشة: "وكانت حائضا انقضي شعرك واغتسلي" رواه ابن ماجه وصححه الألباني.
وإذا وصل الماء بلا حل للشعر كفى ثلاث حثيات، لحديث أم سلمة قالت: قلت يا رسول الله إني امرأة أشد ضفر رأسي أفأنقضه لغسل الجنابة؟ فقال: لا، إنما يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات ثم تفيضين عليك الماء فتطهرين" رواه مسلم وفي رواية لمسلم: أفأنقضه للحيضة والجنابة.
وصفة غسل النبي كما جاءت في أحاديثه الصحيحة على النحو التالي :
- يبدأ بالتسمية فهي مستحبة كما في الوضوء، فليقل بسم الله.
- ثم يغسل يديه. لوصف عائشة لغسل النبي فقالت: "كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخل يده في الإناء"
- ثم يغسل فرجه بشماله، ثم يضرب الأرض بشماله ليزيل الرائحة التي قد تعلق بها، أما الآن فله أن يستخدم الصابون بعد غسله لفرجه مثلاً.
- ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، وله أن يغسل رجليه مع هذا الوضوء ، أو يتركهما حتى ينتهي من غسله ، والأولى غسلها مع الوضوء.
فعن عائشة أن رسول الله "كان إذا اغتسل من الجنابة بدأ فغسل يديه قبل أن يدخل يده في الإناء ثم توضأ وضوئه للصلاة" رواه مسلم.
- ثم يغسل رأسه جيداً، ويدخل أصابعه في أصول شعره .
- وغسل الشق الأيمن أولاً ثم الأيسر ، لحديث عائشة عند مسلم" بدأ بشق رأسه الأيمن ثم الأيسر، ثم أخذ بكفيه فقال بهما على رأسه" ويستحب أن يبدأ من أعلى لأسفل.
- ويمرر يده على جسده أثناء غسله ؛ لأنه أمعن في النظافة. لحديث أبي ذر الصحيح:"إذا وجدت الماء فأمسه جلدك"
-ويستحب تكرار الغسل ثلاثاً.
- وتستحب المولاة في الغسل كالوضوء، فهو صلى الله عليه وسلم كان يوالي في غسله.
- يغسل قدميه إن كان قد تركهما لآخر الوضوء.
- ويستحب أن يترك التنشيف، فإن نشف فلا شيء عليه، وله أن ينفض الماء. لحديث ميمونة أن النبي أتي بمنديل فلم يمسه، وجعل يقول بالماء هكذا يعني ينفضه. رواه مسلم. ورواية أخرى لمسلم قالت: ثم "أتيته بمنديل فرده"
- يستحب المضمضة والاستنشاق زيادة على المضمضة والاستنشاق اللتين هما للوضوء، خروجاً من خلاف من أوجبهما.
- ويستحب أن يقتصد في استخدام الماء عند غسله. عن جابر مرفوعا :"يجزيء من الوضوء المد ومن الجنابة صاع" البيهقي بسند صحيح
ولقد روت عائشة وميمونة رضي الله عنهما صفة غسله وقد جاءت أحاديثهما في الصحيحين وغيرهما، فعن ميمونة قالت: " أدنيت لرسول الله غسله من الجنابة، فغسل كفيه مرتين أو ثلاثاً، ثم أدخل يده في الإناء، ثم أفرغ به على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً، ثم توضأ وضوءه للصلاة، ثم أفرغ على رأسه ثلاث حفنات ملء كفه، ثم غسل سائر جسده، ثم تمحى عن مقامه ذلك فغسل رجليه، ثم أتيته بمنديل فرده" مسلم
ورواية عائشة تقول: "كان رسول الله إذا اغتسل من الجنابة يبدأ فيغسل يديه ثم يفرغ بيمينه على شماله فيغسل فرجه، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يأخذ الماء فيدخل أصابعه في أصول الشعر حتى إذا رأى أن قد استبرأ حفن على رأسه ثلاث حفنات، ثم أفاض على سائر جسده ثم غسل رجليه" مسلم.
- واعلم أن التثليث في الغسل مستحب، وإن ثبت في الرأس فقط، فقال النووي في شرح مسلم: وفيه استحباب إفاضة الماء على الرأس ثلاثاً، وهو متفق عليه وألحق به أصحابنا سائر الجسد قياساً، على الرأس والوضوء، وهو أولى بالثلاث من الوضوء، فالوضوء مبني على التخفيف، ويتكرر، فإذا استحب فيه الثلاث ففي الغسل أولى.
- أما استحباب التيامن فلحديث مسلم :"كان رسول الله يحب التيامن في طهوره إذا تطهر وفي ترجله إذا ترجل، وفي انتعاله إذا انتعل"
- يستحب للحائض في غسلها أن تتبع أثر الدم بقطعة من قطن عليها مسك، أو أي طيب لتزيل الرائحة الكريهة، لحديث عائشة:" أن امرأة جاءت إلى رسول الله تسأله عن الغسل من الحيض فقال:" خذي فِرْصة من مسك فتطهري بها" فقالت: كيف أتطهر بها؟ فقال صلى الله عليه وسلم سبحان الله تطهري بها، قالت عائشة: قلت: تتبعي بها أثر الدم" متفق عليه.
والفرصة: أي قطعة.